قبل عامين، جادلت في مقال رأي في «واشنطن بوست» بأن تركيا تتجه للتقارب مع الولايات المتحدة. وكان عنوان المقال «صداقة مزدهرة: أوباما وأردوجان يستعيدان الرابطة بين بلديهما» (13 نوفمبر 2011). ولم تمض هذه السياسة في الطريق التي كانت تريده أنقرة، أي الحصول على قوة السلاح الأميركي للإطاحة بنظام الأسد في سوريا. وبدأت تركيا التي شعرت بالوحدة تسعى إلى حلفاء آخرين منهم الصين. عندما جاء «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة عام 2002، سعي أردوجان ومسؤولون آخرون إلى اتباع فكرة أن تكون بلادهم لاعباً مستقلاً في الشرق الأوسط. لكن بحلول عام 2011، أدركوا أن «الربيع العربي» سيخلق حالة عدم استقرار طويلة الأمد في جوارهم مما سيضع إيران في مواجهة تركيا في سوريا. وتوجهت تركيا بحنكة إلى الولايات المتحدة وعمل البلدان مع دول أخرى للإطاحة بالقذافي في ليبيا، كما نسّقا الجهود السياسية ضد نظام الأسد في بداية الأمر. والأهم من هذا للعلاقات التركية الأميركية أن العلاقة كانت جيدة بين أوباما وأردوجان، فقد تحدّث الزعيمان كثيراً وتطلّعا إلى أن يستمع كل واحد منهما من الآخر بشأن قضايا الشرق الأوسط. والتقارب كان واضحاً للغاية، لدرجة أنه في سبتمبر 2011، تخلّت تركيا عن موقفها التحوطي الذي كان مفاده أن من حق إيران «مواصلة أبحاث الطاقة النووية للأغراض السلمية»، وانضمت إلى الدرع الدفاعي الصاروخي لحلف شمال الأطلسي (الناتو). وهذا ما دفع تركيا في الآونة الأخيرة إلى الإعلان بأنها قد تشتري أنظمة دفاع صاروخي من الصين في أول عملية من نوعها تعلنها دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأدى الإعلان إلى صدمة. فإذا تمت الصفقة فقد توجه ضربة قوية لعلاقة تركيا بالولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي عموماً، مما يفتح المجال أمام تجسس صيني محتمل على المظلة الأمنية للتكتل الغربي. والقضيتان تحوِّلان تركيز أنقرة بعيداً عن واشنطن. وذلك أولاً، لأن تركيا التي تطمح إلى بناء صناعتها الحربية، شعرت بخيبة أمل من رفض الشركات الأميركية نقل التكنولوجيا مقابل شراء الأسلحة. ويرى مسؤولون أتراك في الاتجاه إلى الصين طريقةً لتعزيز قدرتهم التفاوضية من الشركات الأميركية. وثانياً، لأن أمل تركيا قد خاب في سياسة إدارة أوباما حيال سوريا أو على الأصح صُدِمت لغياب مثل هذه السياسة أصلاً. وكانت تركيا قد سعت إلى تغيير النظام في دمشق منذ عام 2012 بتقديم الأسلحة والملاذ للمعارضة السورية. وحاولت أنقرة إقناع واشنطن بإضافة ثقلها السياسي إلى الجهود التركية ودعم المعارضة بشكل كبير. وجعلت الولايات المتحدة تركيا تشعر بالهجر أكبر في أعقاب اتفاق الأسلحة الكيماوية الذي توسط فيه مسؤولون أميركيون وروس في سبتمبر، وهو الاتفاق الذي رأى فيه الأتراك حبل نجاة لنظام الأسد. وتتوقع تركيا احتمالين وخيمين في سوريا: أطلال دولة معادية مدعومة من إيران على حدودها، لن ينسى زعماؤها دعم أنقرة للمعارضة السورية، إلى جانب دويلات تسيطر عليها «القاعدة». ففي أي طريق تسير فيه سوريا، يتوقع المسؤولون الأتراك أن النتيجة لن تكون محابية لهم وأنهم سيحتاجون إلى حلفاء لتخفيف حدة العواقب. وقد أثرت المعاملة العنيفة للحكومة التركية ضد المحتجين هذا الصيف على العلاقة. فعندما شنّت الشرطة حملتها على حشد صغير من مؤيدي حماية البيئة في إسطنبول، نزل ملايين الأتراك إلى الشوارع مطالبين باحترام حرية الاحتشاد والحريات الليبرالية. ثم لقيت هذه الاحتجاجات رداً أكثر عنفاً من الحكومة. وقبل هذه الأحداث كان أوباما وأردوجان يتحدثان كثيراً. وبعدها، صمّت واشنطن آذانها تقريباً أمام المناشدات التركية بشأن سوريا. وفي العقد الماضي، كانت تحيط بتركيا دول جوار أغلبها مضطربة. وكانت تركيا تبدو، بالمقارنة مع هذه الدول، جزيرة من الاستقرار. وجذبت الأسواق المالية لإسطنبول رأس مال دولي تجاوز 40 مليار دولار سنوياً ساعد على تحقيق نمو قياسي. وغيرت الحرب في سوريا هذا، فمع وجود دولة ضعيفة ومقسمة على أعتابها و«القاعدة» على حدودها، تآكلت صورة تركيا كدولة مستقرة في المنطقة، وقد يتزعزع نموها الاقتصادي. وذلك مما قد يعقِّد خطط أردوجان أو يقضي عليها بشأن خوضه الانتخابات الرئاسية العام المقبل ويُرّجح أنه لن يفوز في الانتخابات مرة أخرى إلا إذا واصلت تركيا نموها. ولذا، وبعد الفشل في الحصول على التزام أميركي للعمل في سوريا، تغازل تركيا الصينيين وربما الروس كي توفر المزيد من الأمن طويل الأمد. وفيما يتعلق بالمفاوضات بشأن برنامج إيران النووي قد يسعى مسؤولون أتراك إلى التوصل إلى صفقة خاصة بهم مع طهران فيما يتعلق بسوريا. واستضافت تركيا وزير الخارجية الإيراني في أنقرة في الأول من نوفمبر الجاري، فيما يشير إلى نهاية فترة البرود في العلاقات. وتحاول أنقرة أن تحسن علاقاتها بالعراق بعد تدهورها بسبب رفض بغداد تحسين العلاقات بين الأكراد الأترك والعراقيين. فتركيا تحتاج إلى العراق، أحد دول جوار سوريا، ليكون حليفاً في احتواء انهيار سوريا إذا لم تستطع تركيا إنهاء نظام الأسد. إذن، انتهى شهر العسل الأميركي التركي، وخرجت تركيا لتجمع أكبر عدد ممكن من الأصدقاء في الشرق الأوسط، وقد لا تكون الولايات المتحدة إلا أحد الأصدقاء الآخرين. ـ ـ ـ ـ ـ ــ سونر جاغابتاي مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»